الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
واعلم أن أصحابنا فرق تفرقوا بتفرق البلاد فمنهم أصحابنا بالعراق كبغداد وما والاها وأولئك بعيد أن تعزب عنا تراجمهم فإنهم إما من بغداد نفسها أو من البلاد التي حواليها والغالب على من يقرب منها أنه يدخلها وكيف لا وهي محلة العلماء إذ ذاك ودارالدنيا وحاضرة الربع العامر ومركز الخلافة وبغداد لها كتاب التاريخ للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب رحمه الله وهو من أجل الكتب وأعودها فائدة وقد ذيل عليه الإمام أبو سعد تاج الإسلام ابن السمعاني فأحسن ما شاء وذيل علي ابن السمعاني الحافظ أبو عبد الله بن الدبيثي ثم جاء الحافظ محمد بن محمود بن النجار فذيل على الخطيب نفسه فجمع فأوعى على أنه أخل بذكر جماعة كثيرين ذكرهم ابن السمعاني وما أدرى لم فعل ذلك وكل هذه التصانيف وقفت عليها وعلى غيرها مما يتعلق بالبغداديين فحصلنا على تراجمهم ومنهم النيسابوريون وقد كانت نيسابور من أجل البلاد وأعظمها لم يكن بعد بغداد مثلها وقد عمل لها الحافظ أبو عبد الله الحاكم تاريخا تخضع له جهابذة الحفاظ وهو عندي سيد التواريخ وتاريخ الخطيب وإن كان أيضا من محاسن الكتب الإسلامية إلا أن صاحبه طال عليه الأمر وذلك لأن بغداد وإن كانت في الوجود بعد نيسابور إلا أن علماءها أقدم لأنها كانت دار علم وبيت رياسة قبل أن ترتفع أعلام نيسابور ثم إن الحاكم قبل الخطيب بدهر والخطيب جاء بعده فلم يأت إلا وقد دخل بغداد من لا يحصى عددا فاحتاج إلى نوع من الاختصار في تراجمهم وأما الحاكم فأكثر من يذكره من شيوخه أو شيوخ شيوخه أو ممن تقارب من دهره دهره لتقدم الحاكم وتأخر علماء نيسابور فلما قل العدد عنده كثر المقال وأطال في التراجم واستوفاها وللخطيب واضح العذر الذي أبديناه وقد ذيل الإمام البليغ عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي على تاريخ الحاكم ولم أقف على هذا الذيل إلى الآن وما أنقله عنه فهو من كتاب التبيين للحافظ ابن عساكر إذ الحافظ ينقل عبارته أبدا بنصها أو من منتخب الذيل لإبراهيم بن محمد الصريفيني فإني وقفت على هذا المنتخب بخط المذكور ومنهم الخراسانيون والخراسانيون أعم من النيسابوريين إذ كل نيسابوري خراساني ولا ينعكس وليس الخراسانيون مع نيسابور كالعراقيين مع بغداد فثم جمع يفوقون عدد الحصا من خراسان لم يدخلوا نيسابور بخلاف العراقيين لاتساع بلاد خراسان وكثرة المدن العامرة فيها والعلماء بنواحيها إذ من جملتها مرو وهي المدينة الكبرى والدار العظمى ومربع العلماء ومرتع الملوك والوزراء قد كانت دار الملك لجماعة من سلاطين السلجوقية ذوي الأيد والعظمة دهرا طويلا وخراسان عمدتها مدائن أربعة كأنما هي قوائمها المبنية عليها وهي مرو ونيسابور وبلخ وهراة هذه مدنها العظام ولا ملام عليك لو قلت بل هي مدن الإسلام إذ هي كانت ديار العلم على اختلاف فنونه والملك والوزارة على عظمتها إذ ذاك ومرو واسطة العقد وخلاصة النقد وكفاك قول أصحابنا تارة قال الخراسانيون وتارة قال المراوزة وهما عبارتان عندهم عن معبر واحد والخراسانيون نصف المذهب فكأن مرو في الحقيقة نصف المذهب وإنما عبروا بالمراوزة عن الخراسانيين جميعا لأن أكثرهم من مرو وما والاها وكفاك بأبي زيد المروزي وتلميذه القفال الصغير ومن نبغ من شعابهما وخرج من بابهما ومنهم أهل الشام ومصر وهذان الإقليمان وما معهما من عيذاب وهي منتهى الصعيد إلى العراق مركز ملك الشافعية منذ ظهر مذهب الشافعي اليد العالية لأصحابه في هذه البلاد لا يكون القضاء والخطابة في غيرهم ومنذ انتشر مذهبه لم يول أحد قضاء الديار المصرية إلا على مذهبه إلا ما كان من القاضي بكار ولم يول في الشام قاض إلا على مذهبه إلا البلاساغوني وجرى له ما جرى فإنه ولي دمشق وأساء السيرة ثم أراد أن يعمل في جامع بني أمية إماما حنفيا وجامع بني أمية منذ ظهور مذهب الشافعي لم يؤم فيه إلا شافعي ولا صعد منبره غير شافعي فأراد هذا القاضي إحداث إمام حنفي قال ابن عساكر فأغلق أهل دمشق الجامع ولم يمكنوه ثم عزل القاضي واستمرت دمشق على عادتها لا يليها إلا شافعي إلى زمن الظاهر بيبرس التركي ضم إلى الشافعي القضاة من المذاهب الثلاثة قال الأستاذ أبو منصور البغدادي وقبل ظهور مذهب الشافعي في دمشق لم يكن يلي القضاء بها والخطابة والإمامة إلا أوزاعي على رأي الإمام الأوزاعي قلت وقبل ظهور مذهب الشافعي بالديار المصرية لم يكن يلي القضاء والخطابة إلا من هو على مذهب مالك رضي الله عنه فلم يكن للحنفية مدخل في هذه البلاد في وقت من الأوقات إلا القاضي بكار فإنه ولي الديار المصرية مدة وأما بلاد الحجاز فلم تبرح أيضا منذ ظهور مذهب الشافعي وإلى يومنا هذا في أيدي الشافعية القضاء والخطابة والإمامة بمكة والمدينة والناس من خمسمائة وثلاث وستين سنة يخطبون في مسجد رسول الله ويصلون على مذهب ابن عمه محمد بن إدريس يقنتون في الفجر ويجهرون بالتسمية ويفردون الإقامة إلى غير ذلك وهو حاضر يبصر ويسمع وفي ذلك أوضح دليل على أن هذا المذهب صواب عند الله تعالى ومنهم أهل اليمن والغالب عليهم الشافعية لا يوجد غير شافعي إلا أن يكون بعض زيدية وفي قوله الإيمان يمان والحكمة يمانية مع اقتصار أهل اليمن على مذهب الشافعي دليل واضح على أن الحق في هذا المذهب المطلبي فما ظنك بقوله إذا اجتمعت جماعات في بعضها قريش فالحق مع قريش وهي مع الحق أخرجه القراب في مناقب الشافعي والشافعية جماعة في بعضها قريش وهو إمامهم المطلبي المشار إليه بقوله قدموا قريشا ولا تقدموها وقوله الأئمة من قريش وقوله علام قريش يملأ الأرض علما ودلائل أخر يطول ذكرها ولسنا الآن لها
ومنهم أهل فارس قال الأستاذ أبو منصور ولم يبرحوا شافعية أو ظاهرية على مذهب داود والغالب عليهم الشافعية وهي مدائن كثيرة قاعدتها شيراز قال الأستاذ أبو منصور ونحو مائة منبر يعني مائة مدينة في بلاد أذربيجان وما وراءها يختص بالشافعية لا يستطيع أحد أن يذكر فيها غير مذهب الشافعي ومنهم خلائق من بلاد أخر من بلاد الشرق على اختلاف أقاليمه واتساع مدنه كسمرقند وبخارى وشيراز وجرجان والري وأصبهان وطوس وساوة وهمذان ودامغان وزنجان وبسطام وتبريز وبيهق وميهنة وأستراباذ وغير ذلك من المدن الداخلة في أقاليم ما وراء النهر وخراسان وأذربيجان ومازندران وخوارزم وغزنة وصحاب والغور وكرمان إلى بلاد الهند وجميع ما وراء النهر إلى أطراف الصين وعراق العجم وعراق العرب وغير ذلك وكل هذه كانت تحتوي على مدائن تقر العين وتسر القلب إلى حين قدر الله تعالى وله الحمد على ما قضاه خروج جنكزخان فأهلك العباد والبلاد ووضع السيف واستباح الدماء والفروج وخرب العامر ثم تلاه بنوه وذووه وأكدوا فعله القبيح وأطدوه وزادوا عليه إلى أن وصل الحال إلى ما لا يقوم بشرحه المقال واستبيح حمى الخلافة وأخذت بغداد على يد هولاكو بن تولى بن جنكزخان وقتل أمير المؤمنين وبعده سائر المسلمين ورفع الصليب تارة على جدران بني العباس وسمع الناقوس آونة من بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وانتهكت المحارم وخربت الجوامع وعطلت المساجد وخربت تلك الديار ومحيت تلك الرسوم والآثار ثم انقضت تلك البلاد وأهلها ** فكأنها وكأنهم أحلام
وحيث استطرد القلم ذكر التتار وفعلهم القبيح فلا بأس يشرح حالهم على الاختصار ولنقتصر على الواقعتين العظيمتين واقعة جنكزخان وحفيده هولاكو فنقول: لما كانت سنة ست عشرة وستمائة كان فيها ظهور جنكزخان وجنوده وعبورهم نهر جيحون وهي الواقعة التي ما سطر مثلها المؤرخون والمصيبة التي ما عاينها الأولون والداهية التي ما خطرت ببال والكاينة التي تكاد ترجف عندها الجبال أجمع الناس على أن العالم مذ خلق الله تعالى آدم إلى زمانها لم يبتلوا بمثلها وأن ما فعله بخت نصر ببني إسرائيل من القتل وتخريب بيت المنقدس يقصر عن فعلها قال الحافظ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن الثير وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى ما قتلوا فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أضعاف بني إسرائيل ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتنفى الدنيا إلا يأجودج ومأجوج وأما الدجال فإنه يبقى على من ابتعه ويهلك من خالفه وهؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والرجال والأطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قلت وحيث كنا في أول في هذا الكتاب ذكرنا أنه كتاب تاريخ وأدب وفقه وحديث لاق بنا أن نشرح هذا الأمر العظيم على وجه الاختصار ونحكى هذا الخطب الجسيم الذي أظلم البصائر وأعمى الأبصار فنقول كان القان الأعظم جنكزخان طاغية التتار وملكهم الأول الذي خرب البلاد وأباد العباد يسمى تموجين وكانوا ببادية الصين وهم من أصبر الناس على القتال وأشجعهم فملكوا جنكزخان عليهم وأطاعوه طاعة العباد المخلصين لرب العالمين وكان مبدأ ملكه في سنة سبع وتسعين وخمسمائة بعد وقائع اتفقت له هنالك تقضي المرء عند سماعها العجب العجاب لا نرى التطويل بشرحها ولا زال أمره يعظم ويكبر وكان من أعقل الناس وأخبرهم بالحروب ووضع له شرعا اخترعه ودينا ابتدعه لعنه الله الياسا لا يحكمون إلا به وكان كافرا يعبد الشمس وكان السلطان الأعظم للمسلمين هو السلطان علاء الدين خوارز مشاه محمد بن تكش وكان ملكا عظيما اتسعت ممالكه وعظمت هيبته وأذعنت له العباد ودخلت تحت هكمه وخلت تلك الديار من ملك سواه لأنه قهر الناس كلهم وصار الناس كلهم تحت حكمه رجلا فاضلا كريما حليما خيرا وكان له عشرة آلاف مملوك كل منهم يصلح للملك وكانت عساكره عدد الحصا لا يعرف أولها من آخرها فتجبر وطغى وأرسل إلى خليفة الوقت وهو الناصر لدين الله الذي لا يصطلي لمكره بنار ولا يعامل في أحواله بخداع يقول له كن معي كما كانت الخلفاء قبلك مع سلاطين السلجوقية كالب رسلان وملكشاه وأقربهم بنا عهدا السلطان سنجر فيكون أمر بغداد والعراق لي ولا يكون لك إلا الخطبة فيقال والله أعلم إن الخليفة جهز رسله إلى جنكزخان يحركه عليه وأما جنكزخان فإنه لما علم عظمة خوارزمشاه شرع في عقد التوادد بينه وبينه علما من جنكزخان بأنه لا يقدر على معاداة خوارزمشاه وأرسل إليه الهدايا المفتخرة والتقادم السنية كل ذلك وخوارزمشاه لا يرضى باصطناعه ويدل بعظم ملكه ليقضي الله أمرا كان مفعولا وجرت في أثناء ذلك فصول يطول شرحها آخرها أن خوارزمشاه منع التجار أن تسير من بلاده إلى بلاد جنكرخان فانقطعت أخبار بلاده عن جنكزخان زمنا
كان القان الأعظم جنكزخان طاغية التتار وملكهم الأول الذي خرب البلاد وأباد العباد يسمى تموجين وكانوا ببادية الصين وهم من أصبر الناس على القتال وأشجعهم فملكوا جنكزخان عليهم وأطاعوه طاعة العباد المخلصين لرب العالمين وكان مبدأ ملكه في سنة سبع وتسعين وخمسمائة بعد وقائع اتفقت له هنالك تقضي المرء عند سماعها العجب العجاب لا نرى التطويل بشرحها ولا زال أمره يعظم ويكبر وكان من أعقل الناس وأخبرهم بالحروب ووضع له شرعا اخترعه ودينا ابتدعه لعنه الله سماه الياسا لا يحكمون إلا به وكان كافرا يعبد الشمس وكان السلطان الأعظم للمسلمين هو السلطان علاء الدين خوارز مشاه محمد بن تكش وكان ملكا عظيما اتسعت ممالكه وعظمت هيبته وأذعنت له العباد ودخلت تحت حكمه وخلت تلك الديار من ملك سواه لأنه قهر الناس كلهم وصار الناس كلهم تحت حكمه وكان رجلا فاضلا كريما حليما خيرا وكان له عشرة آلاف مملوك كل منهم يصلح للملك وكانت عساكره عدد الحصا لا يعرف أولها من آخرها فتجبر وطغى وأرسل إلى خليفة الوقت وهو الناصر لدين الله الذي لا يصطلي لمكره بنار ولا يعامل في أحواله بخداع يقول له كن معي كما كانت الخلفاء قبلك مع سلاطين السلجوقية كألب رسلان وملكشاه وأقربهم بنا عهدا السلطان سنجر فيكون أمر بغداد والعراق لي ولا يكون لك إلا الخطبة فيقال والله أعلم إن الخليفة جهز رسله إلى جنكزخان يحركه عليه وأما جنكزخان فإنه لما علم عظمة خوارزمشاه شرع في عقد التوادد بينه وبينه علما من جنكزخان بأنه لا يقدر على معاداة خوارزمشاه وأرسل إليه الهدايا المفتخرة والتقادم السنية كل ذلك وخوارزمشاه لا يرضى باصطناعه ويدل بعظم ملكه ليقضي الله أمرا كان مفعولا وجرت في أثناء ذلك فصول يطول شرحها آخرها أن خوارزمشاه منع التجار أن تسير من بلاده إلى بلاد جنكزخان فانقطعت أخبار بلاده عن جنكزخان زمنا وكان جنكزخان لعنه الله على ما استفاض عنه فيه حسن خلق وتمسك بما أداه إليه عقله من الطريقة التي ابتدعها ومشى على قانون واحد وله تؤدة عظيمة وبالجملة فقد كان سديد العقل وافر الكرم بحيث إنه قدم إليه مرة في الصيد بعض الفلاحين ثلاث بطيخات ولم يتفق في ذلك الوقت أن يكون أحد من الخزندارية التي له عنده فقال لزوجته الخاتون أعطيه هذين القرطين اللذين في أذنيك وكان فيهما جوهرتان عظيمتان جدا لا قيمة لهما فشحت المرأة بهما وقالت أنظره إلى غد فقال إنه يبيت الليلة مبلبل الخاطر وربما لا يحصل له شيء بعد هذا وإن هذين من اشتراهما لم يسعه إلا أن يحضرهما إلينا لأن مثلهما لا يكون إلا عندنا فدفعتهما إلى الفلاح فطار عقله بهما وذهب فباعهما لبعض التجار بألف دينار لأنه لم يعرف قيمتهما وكانت قيمة كل واحدة أضعاف ذلك بما لا يوصف فحملهما التاجر إليه فردهما إلى زوجته وحكاياته في هذا الباب كثيرة وأمر مرة بقتل ثلاثة قد اقتضت الياسا قتلهم وإذا امرأة تبكي وتصيح فأحضرها فقالت هذا ابني وهذا أخي وهذا زوجي فقال اختاري واحدا منهم أطلقه فقالت الزوج والابن يجيء مثلهما والأخ لا عوض له فاستحسن ذلك منها وأطلق لها الثلاثة وله أشياء كثيرة من هذا كان يفعلها بسجيته وما أداه إليه عقله وأما خوارزمشاه فكان سعده قد تكامل ورأى من العظمة ما لم يعهد مثله لملك من زمن مديد وطالت مدته ولقد يحكى من سعدة أنه كان حسن الغناء وأن شخصا فداويا جهز عليه ليقتله فما صادف ليلة يمكنه فيها اغتياله إلا ليلة واحدة وخوارزمشاه في جمع قليل من مماليكه وهو يغني فأراد الفداوي أن يبادر إليه ليغتاله فسمعه يغني فوقف يتصنت فإذا هو يغني بالفارسية ما معناه قد عرفت بك فانج بنفسك واهرب وكان هذا اتفاقا فما شك الفداوي أنه قد علم به فهرب إلا أن خوارزمشاه بعد ذلك طغت نفسه ليقضي الله ما قدره ثم إن جماعة من التجار أخذوا معهم شيئا من المستظرفات لما سمعوا بمكارم جنكزخان وتحيلوا حتى وصلوا إلىبلاده ولم يعلم بهم نواب خوارزمشاه ولو علموا بهم لراحت أرواحهم ونهبت أموالهم فلما وصلوا إليه أكرمهم غاية الإكرام وقال لأي شيء انقطعتم عنا فقالوا إن السلطان خوارزمشاه منع التجار من المسافرة إلى بلادك ولو علم بنا لأهلكنا فجمع أولاده فأشاروا عليه بأن يخرج لقتاله فقال لا ولكنا نرسل إليه فأرسل رسله إلى خوارزمشاه وقال إن التجار هم عمارة البلاد وهم الذين يحملون التحف والنفائس إلى الملوك وما ينبغي أن تمنعهم ولا أنا أيضا نمنع تجارنا عنك بل ينبغي لنا أن تكون كلمتنا واحدة لتعمر الأقاليم وأرسل من جهته تجارا معهم أموال لا تعد ولا تحصى فلما انتهوا إلى الأترار عمد نائب خوارزمشاه بها وهو والد زوجته كسلى خان فكتب إلى خوارزمشاه بأن هؤلاء التجار جاءوا بأموال لا تحصى والرأي قتلهم وأخذ أموالهم فجاء مرسوم خوارزمشاه بذلك فعمد إليهم فقتل الجميع وأخذ ما كان معهم فبلغ ذلك جنكزخان فجمع أولاده ثانيا وخواصه فقالوا نخرج إليهم فقال لا وأرسل إلى خوارزمشاه هذا الذي جرى أعلمني هل هو عن رضى منك إن لم يكن برضاك فنحن نطلب بدمائهم من نائب الأترار ونحضره على أفحش وجوه الذل والصغار وإن كان برضاك فقد أسأت التدبير فإني أنا لا أدين بملة ولا أستحسن فعل ذلك وأنت تنتمي إلى دين الإسلام وهؤلاء التجار كانوا على دينك فكيف يسعك هذا الأمر الذي فعلته فلما جاءت الرسالة إلى خوارزمشاه لم يكن له جواب سوى إن هذا كان بعلمي وأمري وما بيننا إلا السيف فقام ولده السلطان جلال الدين وكان عاقلا فاستنصح بعض الرسل وسألهم عن حال جنكزخان وكيف طواعيه عساكره له ثم أشار على والده بأن يتلطف في الجواب ويخلي بين جنكزخان ونائب الأترار ويسلطه على دم واحد يحمي به المسلمين من نهر جيحون إلى قريب بلاد الشام ومساجد لا يحصى عددها ومدارس وأمم لا يحصون ومدائن وأقاليم هي خلاصة الربع العامر وأحسنه وأعمره وأوسعه فأبى والده إلا السيف وأمر بقتل رسل جنكزخان فيالها فعلة ما كان أقبحها أجرت كل قطرة من دمائهم سيلا من دماء المسلمين وكان رحمه الله قد اختلط قليلا وطعن في السن وغره ملك ما رآه حصل لغيره وجيش لم يجتمع لأحد وقد كان هذان الشيئان من أعظم الأسباب في الإعانة عليه فإن الأرض لما لم يبق فيها ملك سواه وكسر قويت قلوب أولئك الكفار وصاروا يتبعونه كلما هرب ويملكون الأرض شيئا فشيئا والجيش لكثرتهم كان فيهم المسلمون والنصارى والمجوس على اختلاف بلدانهم فلم تكن كلمتهم كلها متفقة معه ولا عندهم من الخوف على دين الإسلام والذب عنه ما عند المسلمين فلما بلغ ذلك جنكزخان استشاط غضبا وجاءت النفس الكافرة فقام وأمر أولاده يجمع العساكر واختلى بنفسه في شاهق جبل مكشوف الرأس واقفا على رجليه ثلاثة أيام على ما يقال فزعم عثره الله أن الخطاب أتاه بأنك مظلوم واخرج تنتصر على عدوك وتملك الأرض برا وبحرا وكان يقول الأرض ملكي والله ملكني إياها
علاء الدين خوارزمشاه في عساكره وذلك في سنة خمس عشرة وستمائة خرج في أمم لا يحصيهم إلا الذي خلقهم فوجد جنكزخان مشغولا بقتال كسلى خان فنهب خوارزمشاه أموالهم وسبى ذراريهم وحريمهم فأقبلوا إليه واقتتلوا معه قتالا لم يسمع بمثله أولئك يقاتلون عن حريمهم والمسلمون عن أنفسهم علما بأنهم متى ولوا استأصلوهم فقتل من الفريقين خلق كثير حتى إن الخيول كانت تزلق في الدماء وكان جملة من قتل من المسلمين نحو عشرين ألفا ومن التتار أضعاف ذلك ثم تحاجز الفريقان وولى كل منهم إلى بلاده ولكن بعد أن كسر خوارزمشاه التتار ثلاث مرات ثم لجأ خوارزمشاه في عساكره إلى بخارى وسمرقند فحصنهما وبالغ في كثرة من ترك بهما من المقاتلة ورجع إلى خوارزم ليجهز الجيوش الكثيرة
السلطان جنكزخان أمهات مدائن المسلمين وأقاليم عمدة سلطان الموحدين وكان سبب ذلك أن التتار لما كسروا مع خوارزمشاه ثلاث مرات تشاغل حنكزخان عن المسلمين وأهمل أمرهم وضعفوا هم أيضا عند السلطان خوارزمشاه ففرق عساكره في الأقاليم لتحفظها وكان ذلك من سوء تدبيره فإنه لما فرق عساكره دهمته التتار فلم يقدر على جمع عساكره لإعجالهم إياه عن ذلك فهرب فقصد جنكزخان عند ذلك بخارى وبها عشرون ألف مقاتل فحاصرها ثلاثة أيام فطلب منه أهلها الأمان فأمنهم ودخلها وذلك في سنة عشرة فأحسن السيرة فيها مكرا وخداعا وامتنعت عليه قلعتها فحاصرها واشتغل أهل البلد في طم خندقها فكانت التتار يأتون بالمنابر والختم والربعات فيطرحونها في الخندق ففتحها قسرا في أيام يسيرة فقتل كل من كان بها لم يبق منهم أحدا ثم عمد إلى البلد فاصطفى أموال تجارها ثم قتل خلقا لا يعملهم إلا الله وأسروا الذرية والنساء وفسقوا بهن بحضرة أهليهن فمن الناس من قاتل دون حريمه حتى قتل ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب وكثر البكاء والضجيج في البلد ثم عمدوا إلى دور بخارى ومدارسها ومساجدها وجوامعها فأحرقت حتى صارت بلاقع خاوية على عروشها ثم صاروا يأتون بجماعة من المسلمين ويقولون لهم نادوا أيها الناس إن التتار قد هربوا فاخرجوا من خباياكم فيخرج من هو تحت الأرض حين يسمع الأصوات التي يعرفها ظانا صدقها فيقتلون الخارج والصائح له وكذلك فعلوا في كل مدينة وما كان قصدهم إلا خراب العالم ثم كروا راجعين عنها قاصدين سمرقند وبها خمسون ألف مقاتل من الجند من عسكر خوارزمشاه وبرز إليه سبعون ألفا من العامة فقتل الجميع في ساعة واحدة وألقى إليه الخمسون ألفا السلم فسلبهم سلاحهم وما يمتنعون به وقتلهم من ذلك اليوم واستباح المدينة فقتل الجميع وأخذ الأموال وفعل فعلته وعادته إنا لله وإنا إليه راجعون وأقام هنالك وبلغه أن زوجة السلطان خوارزمشاه وبناته في قلعة أيلال فدوام القتال عليها إلى أن ملكها وأخذ زوجته وبناته ومنهن واحدة كانت متزوجة ببعض أقاربه لم يكن في العجم أجمل منها فزوجها لبعض أولاده ثم فرق البنات على أكابر التتار إنا لله وإنا إليه راجعون
وجهز السرايا إلى البلدان فجهز سرية إلى بلاد خراسان وأرسل أخرى وراء خوارزمشاه وكانوا عشرين ألفا فقال اطلبوه وأدركوه ولو تعلق بالسماء فساقوا إلى طلبه فأدركوه وبينهم وبينه نهر جيحون فلم يجدوا سفنا فعملوا لهم أحواضا يحملون عليها الأسلحة ويرسل أحدهم فرسه ويأخذ بذنبها فتجره الفرس إلى الماء وهو يجر الحوض الذي فيه سلاحه حتى صاروا كلهم في الجانب الآخر فلم يشعر بهم خوارزمشاه إلا وقد خالطوه فهرب إلى نيسابور ثم منها إلى غيرها وهم في أثره كلما دخل مدينة وأقام فيها ليجتمع ليه عساكره لحقوه وألقى الله في قلبه الرعب فصاروا كلما قاربوه هرب وما زال هاربا منهم حتى ركب في بحر طبرستان وسار إلى قلعة في جزيرة فكانت فيها وفاته وقيل إنه لا يعرف بعد ركوبه البحر ما كان من أمره بل ذهب فلا يدري أين ذهب ولا كيف سلك ويقال مرض في البحر وطلب دواء فأعياه الخبر حتى لم يجده ويقال طلب في البحر مكانا ينام فيه قدر قامته فلم يجده فقال سبحان الله بعد أن كنت أكبر سلاطين الأرض ولى الأمر فيها صرت لا أقدر على مقدار مكان أنام فيه فسبحان مالك الملك هذا من ملك الخطا وما وراء النهر وخوارزم وأصفهان ومازندران وكرمان ومنجان وكش وجكان والغور وغزنة وأميان وأترار وأذربيجان إلى ما يليها من الهند وبلاد الترك وجميع ما وراء النهر إلى أطراف الصين وخطب له على منابر دربند شروان وبلاد خراسان وعراق العجم وغيرها من الأقاليم المتسعة والمدن الشاسعة مع المكنة الزائدة وطول المدة ووصل إلى هذا الحال
وقيل إنهم وجدوا في خزانة من خزائنه عشرة الآف ألف دينار وألف حمل من الأطلس وهذا الذي جرى لهؤلاء التتار لعنهم الله ما جرى لأحد منذ قامت الدنيا فإن قوما خرجوا من أطراف الصين فقصدوا بلاد تركستان مثل كاشغر وبلاد ساغون ثم منها إلى ما وراء النهر مثل سمرقند وبخارى وغيرهما فيملكونها ويفعلون ما شرحنا بعضه ثم تعبر طائفة منهم إلى خراسان فيفرغون منها قتلا وسبيا وتخريبا كما فعلوا فيما وراءها ثم يجاوزونها إلى الري وهمذان وبلاد الجبل إلى حد العراق ثم يقصدون بلاد أذربيجان وأران ثم يملكون بلاد دربند شروان ثم بلاد اللان وبلاد البلغار ثم بلاد القفجاق وهم من أكثر الترك عددا فيملكون عليهم ويوسعونهم قتلا وأسرا وتسير طائفة أخرى إلى غزنة وأعمالها وما يجاوزها من بلاد الهند وسجستان وكرمان وأفعالهم متحدة في الظلم وكل هذا في سنة أو أزيد بقليل يملكون أكثر المعمور في الأرض وأحسنه وأعمره وما لم يملكوه فأهله في انتظارهم والخوف العظيم منهم هذا ما لم يسمع بمثله فإن إسكندر الذي ملك الدنيا لم يملكها في سنة إنما ملكها في عشر سنين ولم يقتل أحدا بل رضي من الناس بالطاعة وهؤلاء بخلاف ذلك وكان السبب في هذا كله سلطان الإسلام علاء الدين خوارزمشاه وظنه بنفسه وجنوده في الأول ولقد ساروا إلى مازيندران وقلاعها من أمنع القلاع بحيث إن المسلمين لم يفتحوها إلا في سنة تسعين في أيام سليمان بن عبد الملك ففتحها هؤلاء في أيسر مدة ونهبوا مافيها وقتلوا أهاليها وسبوا وأحرقوا ثم رحلوا عنها نحو الري فرأوا في الطريق أم السلطان خوارزمشاه وكانت قد سمعت بهزيمة ابنها وهي في خوارزم وخوارزم دار ممكتهم العظمى فأخرجت من الحبس عشرين سلطانا كانوا في سجن ولدها وقتلتهم وأودعت بعض القلاع من الأموال مالا يدرك كثرة ثم سارت فرأوها ومعها من الأموال والجواهر والنفائس ما لا يعد كثرة فاستأصلوا ذلك كله ثم قصدوا الري فدخلوها على حين غفلة من أهلها فقتلوا وسبوا وأحرقوا وفعلوا عوائدهم ثم إلى همذان فملكوها ثم إلى زنجان فقتلوا أهلها ثم إلى قزوين فملكوها وقتلوا من أهلها نحوا من أربعين ألفا ثم يمموا بلاد أذربيجان فصالحهم سلطانها أزبك بن البهلوان على مال حمله إليهم فتركوه وساروا إلى موقان فقاتلهم الكرج فلم يقفوا بين أيديهم طرفة عين حتى انهزمت الكرج وقتلت التتار منهم خلقا كثيرا ثم قصدوا تفليس وهي أكبر مدن الكرج فقاتلهم الكرج فكسرهم التتار كسرة ثانية أقبح من الأولى ثم ساروا إلى تبريز فصالحهم أهلها ثم إلى مراغة فقتلوا من أهلها ما لا يحصى كثرة وقصدوا مدينة إربل فاشتد الأمر على المسلمين وكتب الخليفة إلى أهل الموصل وجهز عسكرا ثم صرف الله عزم التتار عنهم وفرقة أخرى من التتار كان أرسلها جنكزخان إلى ترمذ فأخذتها وأخرى إلى فرغانة فأخذوها
وأما الفرقة التي أرسلها إلى خراسان فصالحهم أهل أكثر مدائنها كبلخ وغيرها حتى انتهوا إلى الطالقان فأعجزتهم قلعتها فحاصروها ستة أشهر حتى عجزوا فكتبوا إلى جنكزخان فقدم بنفسه فحصرها أربعة أشهر أخرى حتى فتحها قهرا وقتل من فيها ثم قصدوا مدينة مرو وكان بها مائتا ألف مقاتل فاقتتلوا معهم قتالا عظيما ثم انكسر المسلمون فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم قتلوا أهل البلد وغنموهم وسبوهم وعاقبوهم بأنواع العذاب حتى إنهم قتلوا في يوم واحد سبعمائة ألف رجل ثم ساروا إلى نيسابور ففعلوا بها فعلهم بأهل مرو ثم إلى طوس ثم إلى هراة والكل يفعلون فيهم فعلهم الماضي في غيرها فسبحان مقدر الأمور ومن يمهل حتى يلبس الإمهال بالإهمال على المغرور ولا حاجة للتطويل ملكوا أكثر عامر الأرض فجعلوه خرابا وتركوا المساجد والجوامع والمدارس بلاقع وحرقوا الكتب والمصاحف وما دخلوا مدينة إلا وسالت أوديتها بدماء أهلها وكانوا إذا عجزوا عن حمل الأمتعة أطلقوا فيها النيران حتى يذهب أثرها وكم من أحمال حرير أطلقت فيها النيران ولا وقف لهم أحد إلا وأوسعوا عساكره قتلا ونهبا وأسرا إلا السلطان الكبير جلال الدين ابن السلطان خوارزمشاه فإنه لما علم خبر سلطان الإسلام والمسلمين خوارزمشاه اجتمع من بقى من عساكره على ولده السلطان الأعظم جلال الدين وكان ذلك بعهد من والده فإنه يقال إن خوارزمشاه لما حضرته الوفاة جمع أولاده وقال لهم اعلموا أن عرى الإسلام قد انقطعت وليس يأخذ بالثأر من الأعداء إلا هو وإني موليه ولاية العهد عليكم وكان بطلا شجاعا لا يصطلى له بنار فأتته التتار إلى بلاد غزنة فقاتلهم فكسرهم فعادوا إلى هراة فإذا أهلها قد نقضوا فقتلوهم عن آخرهم ثم عادوا إلى ملكهم جنكزخان لعنهم الله وإياه وكان أرسل طائفة إلى مدينة خوارزم فحاصروها حتى فتحوها قهرا فقتلوا أهلها قتلا ذريعا وأرسلوا الجسر الذي يمنع ماء جيحون فيها فغرقت دورها وهلك جميع أهلها وكان جنكزخان لما عادوا إليه مخيما على الطالقان فجهز منهم طوائف إلى غزنة فقاتلهم السلطان جلال الدين وكسرهم كسرة عظيمة واستنقذ منهم خلقا من أسارى المسلمين ثم كتب إلى جنكزخان يطلب منه أن يبرز بنفسه لقتاله فقصده حنكزخان فتواجها وتطاعنا وتوافقت خيلاهما وكلاهما بطل اللقا مقنع واقتتلوا ثلاثة أيام لم يعهد مثلها وقتل في الوقعة دوس خان بن جنكزخان ثم ضعف أصحاب السلطان جلال الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله فركبوا في بحر الهند فسارت التتار إلى غزنة وأخذوها بلا كلفة ثم عاد جلال الدين بمن بقى معه من العساكر إلى بلاد خوزستان ونواحي العراق فأفسدوا وحاصروا ثم استحوذ السلطان جلال الدين على بلاد أذربيجان وكثيرا من بلاد الكرج واستفحل أمره جدا وعظم شأنه وفتح تفليس مدينة الكرج العظمى وقيل قتل من الكرج سبعين ألفا في المعركة واشتغل بهذه الغزوة عن قصد بغداد وقد كان عزم على قصد الخليفة لأنه فيما زعم عمل على أبيه حتى هلك وانزعج الخليفة لذلك وحصن بغداد واستخدم الجيوش وأنفق الأموال الجزيلة ثم إن أخت السلطان جلال الدين التي كان ابن جنكزخان تزوج بها واستولدها ومات وتركها عند أبيه جنكزخان كانت تكاتب السلطان جلال الدين وتنهي إليه أخبار التتار فأرسلت إليه وهو يحاصر خلاط خاتما من خواتم أبيه فصه فيروزج منقوش عليه اسم السلطان محمد أمارة مع القاصد تعلم أخاها أن جنكزخان بلغه عنك شدة بأسك واتساع باعك وثباتك وكثرة عساكرك وقد عزم على مصاهرتك والمهادنة معك على أن يكون نهر جيحون بينكم وله منه وجاي ولك منه ورايح فإن أنت وجدت من قوتك مقاواتهم وإلا فشأنك والمسالمة حال رغبتهم فيها
فلم يرد جلال الدين عليها جوابا ولا فتح للصلح بابا وتشاغل عنها بفعلة قبيحة وهي حصار مدينة خلاط فإنه نزل عليها وحاصرها حتى آكل أهلها لحوم الكلاب ثم فتحها ونهبها وعذب أهلها أشد العذاب وأرسل إليه الخليفة يشفع فيهم فلم يقبل منه ورد جوابه ورسله أقبح رد ثم سار حتى ملك بلاد الروم فاجتمع عليه علاء الدين كيقباد صاحب الروم والملك الأشرف موسى صاحب خلاط فإنه كان أخذ مدينة خلاط وهي للأشرف موسى بن العادل صاحب دمشق وأي شيء هي مدينة خلاط وما قدرها وما قدر الأشرف موسى بالنسبة إلى جلال الدين وأي مدينة فرضت من مدائن جلال الدين إلا ما شاء الله بقدر مملكة موسى وبني أيوب كلهم ثم جاء الأشرف وكيقباد وانضم إليهما عساكر مجمعة فكانوا خمسة آلاف مقاتل فالتقوا مع السلطان جلال الدين وهو بأذربيجان في بقايا من عسكره نحو عشرين ألف مقاتل فكسروه على قلتهم ويكثرهم بالقلة فإن الخمسة آلاف كثيرة بالنسبة إليهم والعشرون ألفا أقل شيء يكون بالنسبة إلى السلطان جلال الدين ثم خرجت التتار مرة أخرى وكان سبب خروجهم أن الإسماعيلية كتبوا إليهم يخبرونهم بضعف جلال الدين بن خوارزمشاه وأنه عادى جميع الملوك الذين يجاورونه وأنه وصل من أمره أن كسره الأشرف بن العادل وكان جلال الدين قد خرب ديار الإسماعيلية وفعل بهم كل ما يستحقونه فلما قدمت التتار اشتغل بهم وجرت بينهم حروب وهرب من بين أيديهم وامتلأ قلبه خوفا منهم وصار كلما سار في قطر لحقوه وخربوا ما اجتازوا به من الأقاليم حتى انتهوا إلى الجزيرة وجاوزوها إلى سنجار وماردين وآمد يفسدون ما قدروا عليه قتلا ونهبا وأسرا وانقطع خبر السلطان جلال الدين فلا يدري أين سلك إلا أنه يحكي أنه أتى قرية من قرى فارقين حائرا وحيدا ظمآن جائعا تعبا فنزل في بيدر من بيادرها فلحقه فارسان من التتار فقتلهما وركب وصعد الجبل فرآه بعض الأكراد فأنكر حاله لما رأى عليه من أبهة الملك ورأى فرسه مشحونة بالجواهر وعلم أنه ملك فقال من أنت وأراد أن يقتله فقال لا تعجل أنا السلطان جلال الدين سلطان الخوارزمية ووعده بكل جميل فتركه الرجل في بيته ومضى فجاء بعض الأكراد وقال لأهل البيت ما هذا الخوارزمي النائم وكان السلطان قد نام فقالوا هو رجل أعطاه صاحب البيت الأمان فقال الكردي هذا هو السلطان جلال الدين ولقد قتلت عساكره أخا لي خيرا منه وطعنه بحربة وهو نائم فقتله في وقته وبلغ الخبر صاحب ميافارقين وجرت أمور يطول شرحها وتمكنت التتار من المسلمين وألقى الله الرعب في قلوب المسلمين منهم بحيث كان الكافر يجوز على المائة من المسلمين فيقتلهم واحدا واحدا ولا يقدر أحد منهم يقول له كلمة وأعناقهم تقع على الأرض واحدا بعد واحد حتى إن امرأة منهم كانت على زي الرجال قتلت عددا عظيما من الرجال وأسرت جماعة ولم يعلموا أنها امرأة حتى علم بها شخص من أسارى المسلمين فقتلها رحمه الله هذا مختصر من أخبار جنكزخان ولنذكرن في أثناء هذا الكتاب فصلا آخر إن شاء الله مختصرا من أخبار حفيده هولاكو بن تولى بن جنكزخان فهما الرجلان الكافران لعنهما الله وقد أوردنا أمرهم في غاية الاختصار ومن الناس من أفرد التصانيف لأخبارهم ويكفي الفقيه ما أوردناه فأوقات طالب العلم أشرف أن تضيع في أخبارهم إلا للاعتبار بها وما اوردناه عبرة للمعتبرين وكاف للمتعظين ويعجبني قول ابن الأثير في الكامل حين ذكر أخبارهم والله لا أشك أن من يجىء بعدنا إذا بعد العهد ورأى هذه الحادثة مسطورة ينكرها ويستبعدها والحق في يده قال فمن استبعدها فلينظر أننا سطرناها في وقت يعلم كل من فيه هذه الحادثة قد استوى في معرفتها العالم والجاهل لشهرتها يسر الله للمسلمين من يحوطهم بمنه وكرمه ولعلنا أطلنا في ديباجة هذا الكتاب وخرجنا من باب فولجنا في أبواب ولا بد في ذلك مع القشر من اللباب وقد آن الشروع في المقصود والنزوع بالنفس الظامئة إلى المنهل المورود والرجوع إلى ما افتتحنا به الكتاب من ذكر التراجم والعود أحمد وذكر القوم محمود وقد كان عن لنا أن نعقد لمناقب الإمام الأعظم المطلبي والعالم الأقوم ابن عم النبي باب يقدم التراجم فإنه عالم قريش الذي ملأ الله به طباق الأرض علما ورفع من طباقها إلى طباق السما بذاته الطاهرة من هو أعلى من نجومها وأسما وأثبت باسمه في طباق أجزائها اسم من يسمع آذانا صما ومن لو قالت بنو آدم علمه الله الأسما لقيل كما أبرز منه لكم أبا ومن تصانيفه أما والحبر الذي أسس بعد الصحابة قواعد بيته بيت التبوة وأقامها وشيد مباني الإسلام بعدما جهل الناس حلالها وحرامها وأيد دعائم الدين منه بمن سهر في محو ليالي الشبهات إذا سهر غيره الليالي في الشهوات أو نامها ولكننا رأينا الخطب في ذلك عظيما والأمر يستدعي مجلدات ولا ينهض بمعشار ما يحاوله من أوتي بسطه في العلم والجسم إذ كان علماجسيما ثم رأينا الأئمة قبلنا إلى هذا المقصد قد سبقوا وتنوعوا فيما فعلوه وأكثروا القول وصدقوا وأول من بلغني صنف في مناقب الشافعي الإمام داود بن علي الأصفهاني إمام أهل الظاهر له مصنفات في ذلك
ثم صنف زكرياء بن يحيى الساجي وعبد الرحمن بن أبي حاتم ثم صنف أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري كتابا حافلا رتبه على أربعة وسبعين بابا ثم ألف الحاكم أبو عبد الله ابن البيع الحافظ مصنفا جامعا وصنف في عصره أيضا أبو علي الحسن بن الحسين بن حمكان الأصبهاني مختصرا في هذا النوع ثم صنف أبو عبد الله بن شاكر القطان مختصره المشهور ثم صنف الإمام الزاهد إسماعيل بن إبراهيم بن محمد السرخسي القراب مجموعا حافلا رتبه على مائة وستة عشر بابا ثم صنف الأستاذ الجليل أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي كتابين أحدهما كبير حافل يختص بالمناقب والآخر مختصر محقق يختص بالرد على الجرجاني الحنفي الذي تعرض لجناب هذا الإمام ثم صنف الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي كتابه في المناقب المشهور والحسن الجامع المحقق وكتبا أخر في هذا النوع مثل بيان خطأ من خطأ الشافعي وغيره ثم صنف الحافظ الكبير أبو بكر الخطيب مجموعا في المناقب ومختصرا في الاحتجاج بالشافعي ثم صنف الإمام فخر الدين الرازي كتابه المشهور والمرتب على أبواب وتقاسيم وصنف الحافظ أبو عبيد الله محمد بن محمد بن أبي زيد الأصبهاني المعروف بابن المقري كتابين أحدهما سماه شفاء الصدور في محاسن صدر الصدور والآخر مجلد كبير وهو مختصر من شفاء الصدور سماه الكتاب الذي أعده شافعي في مناقب الإمام الشافعي
وصنف الحافظ أبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي المعروف بفندق كتابا كبيرا في المناقب وصنف إمام الحرمين أبو المعالي الجويني كتابا يختص بمسألة ترجيح مذهبه على سائر المذاهب ويبين أنه الذي يجب على كل مخلوق الاعتزاء إليه وتقليده ما لم يكن مجتهدا فلما رأيت التصانيف في هذا الباب كثيرة وعيون أولياء الله تعالى بما يسره على السابقين قريرة وعيون الناس مكتفون بما سبق لأنهم أهل بصيرة عدلت عن ذلك وشرعت في مقصود هذا المجموع وها نحن نخوض بحار المقصود الأعظم ونجري في كل طبقة على حروف المعجم ونأتي بترتيب أشرح فيه الاختيار الحسن والجم ونقضي لمن اسمه محمد أو أحمد بالتقديم ونمضي ذلك وإن كان الترتيب يقضي لمن اسمه إبراهيم إجلالا لهذين الاسمين الشريفين إلا عن الانفراد عن غوغاء الجحفل العظيم
|